أثبتت الجلسة الافتتاحية لمجلس الشعب أن التصوير والكاميرات والبث المباشر هى أدوات قتل واغتيال هذا المجلس الموقر! هناك أخطاء قاتلة وتصرفات مبالغ فيها تمت وتضخمت، من أجل الشو الإعلامى ولخاطر عيون الكاميرات وليس لخاطر عيون الوطن، ولذلك نطالب بعدم نقل هذه الجلسات على الهواء، والاكتفاء بفقرات مصورة سريعة ومسجلة مثلما يفعل التليفزيون مع اجتماعات مجلس الوزراء، وترك المجلس يناقش ويحاسب ويراقب دون التعرض لفيروس الاستعراض الإعلامى.

لافتات مرفوعة من النواب موجهة للكاميرات، تلاعب فى القسم وعين على الورقة وعين على الكاميرا، خطب منبرية تداعب العواطف وتغازل مشاهد التليفزيون مسلوب الإرادة بالأقمار الصناعية وعلى الهواء مباشرة، كراسى محجوزة مقدماً لتراعى زوايا الكاميرات وسبوتات الإضاءة، تذكرت أولى جلسات محاكمة مبارك وما حدث فيها من هرج ومرج وفوضى واستعراض من المحامين وتعارك وتلاسن، كان 99% من الأسباب راجعاً إلى شهوة الكاميرا ونشوة الفضائيات، وعندما مُنع التصوير عاد الهدوء ونقص عدد المحامين إلى ربع الربع، ولجأ الكثير إلى النوم وتدخين السجائر خارج القاعة والحديث فى الموبايل، فالكاميرات غير موجودة ولا داعى للتشنج وإرهاق الحنجرة، فالقضية غير مذاعة «على الهوا»!.

هناك مرض مصرى مزمن وهو أورجازم الكاميرا والميكروفون! ولأننا مجتمع مازال يعيش فى مرحلة الشفاهية والخطابة وسوق عكاظ، فالميكروفون هو حياته والكاميرا هى أوكسجينه ودمه ونخاعه الشوكى، ما إن يمسك أحدنا بميكروفون حتى يركبه شبق جنونى وينسى نفسه ويلتصق بصمغ غير قابل للذوبان، ما إن تحاول شد الميكروفون منه حتى يصيبه مس شيطانى، فيتعلق به تعلق الجندى المقاتل بسلاحه، وتعلق مريض النزع الأخير بأسطوانة الأوكسجين!

أما الكاميرا فحدّث ولا حرج، فالكاميرا يمتلك المصرى تجاهها ضعفاً شديداً يصل إلى حد الانسحاق، حتى فى أثناء الصلاة التى من أول شروطها التركيز وإحساس الذوبان الصوفى والانقطاع الوقتى عما يحيط بالمرء من ضوضاء ومشاغل، حتى فى أثناء الصلاة تجد من يشير إلى الكاميرا فى الجامع، ويحييها وكأنه فى ماتش كورة!! تجد ضيف البرنامج فى الصالون قبل دخول الاستوديو شخصية، وعندما تضىء لمبة الكاميرا داخل الاستوديو إذا به يتحول إلى شخص آخر تتلبسه روح الضيف التليفزيونجى وكأنها وظيفة أو دور مسرحى!!

الكاميرات والبث المباشر ونقل الجلسات على الهواء ستحول مجلس الشعب إلى مجلس الأنس أحياناً، وسوق عكاظ أحياناً، ومدرسة المشاغبين أحياناً، وحلبة ملاكمة أحياناً، نريده مجلساً لمن هم فى الشوارع والمصانع والمزارع، وليس مجلساً لمن هم فى الأنتريهات والصالونات والكافيهات أمام التليفزيونات.